بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فكرة الموضوع اني راح اطرح كل يوم حديث شريف عن الرسول صلى الله عليه وسلم مع شرح هذا الحديث بما فيه من احكام وسنن وغيرها ,,
وراح ابدأ بحديث قدسي وشرحه ..
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به، والصيام جُنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم؛ فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله، فليقل: إني صائم، إني صائم. والذي نفس محمد بيده، لخُلُوف فم الصائم، أطيب عند الله من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه".
تفسير الحديث
المفتي: صالح بن فوزان الفوزان
هذا حديث عظيم وثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" [رواه الإمام البخاري في صحيحه]. فهذا الحديث فيه فضيلة الصيام ومزيته من بين سائر الأعمال، وأن الله اختصه لنفسه من بين أعمال العبد.
وقد أجاب أهل العلم عن قوله: "الصوم لي وأنا أجزي به" [رواه الإمام البخاري في صحيحه]. بعدة أجوبة منهم من قال: أن معنى قوله تعالى: "الصوم لي وأنا أجزي به" [رواه الإمام البخاري في صحيحه]. إن أعمال ابن آدم قد يجري فيها القصاص بينه وبين المظلومين، فالمظلومين يقتصون منه يوم القيامة بأخذ شيء من أعماله وحسناته كما في الحديث أن الرجل يأتي يوم القيامة بأعمال صالحة أمثال الجبال ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا أو أكل مال هذا فيؤخذ لهذا من حسناته ولهذا من حسناته حتى إذا فنيت حسناته ولم يبق شيء فإنه يؤخذ من سيئات المظلومين وتطرح عليه ويطرح في النار إلا الصيام فإنه لا يؤخذ للغرماء يوم القيامة وإنما يدخره الله عز وجل للعامل يجزيه به ويدل على هذا قوله: "كل عمل ابن آدم له كفارة إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" أي أن أعمال بني آدم يجري فيها القصاص ويأخذها الغرماء يوم القيامة إذا كان ظلمهم إلا الصيام فإن الله يحفظه ولا يتسلط عليه الغرماء ويكون لصاحبه عند الله عز وجل.
وقيل أن معنى قوله تعالى: "الصوم لي وأنا أجزي به" أن الصوم عمل باطني لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى فهو نية قلبية بخلاف سائر الأعمال فإنها تظهر ويراها الناس أما الصيام فإنه عمل سري بين العبد وبين ربه عز وجل ولهذا يقول: "الصوم لي وأنا أجزي به إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي"، وكونه ترك شهوته وطعامه من أجل الله هذا عمل باطني ونية خفية لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى بخلاف الصدقة مثلاً والصلاة والحج والأعمال الظاهرة هذه يراها الناس، أما الصيام فلا يراه أحد لأنه ليس معنى الصيام ترك الطعام والشراب فقط أو ترك المفطرات لكن مع ذلك لابد أن يكون خالصًا لله عز وجل وهذا لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
ويكون قوله: "إنه ترك... إلى آخره" تفسيرًا لقوله: "الصوم لي وأنا أجزي به".
ومن العلماء من يقول أن معنى قوله تعالى: "الصوم لي وأنا أجزي به" أن الصوم لا يدخله شرك بخلاف سائر الأعمال فإن المشركين يقدمونها لمعبوداتهم كالذبح والنذر وغير ذلك من أنواع العبادة وكذلك الدعاء والخوف والرجاء فإن كثيرًا من المشركين يتقربون إلى الأصنام ومعبوداتهم بهذه الأشياء بخلاف الصوم فما ذكر أن المشركين كانوا يصومون لأوثانهم ولمعبوداتهم فالصوم إنما هو خاص لله عز وجل فعلى هذا يكون معنى قوله: "الصوم لي وأنا أجزي به" أنه لا يدخله شرك لأنه لم يكن المشركون يتقربون به إلى أوثانهم وإنما يتقرب بالصوم إلى الله عز وجل.
الصوم المطلوب
ثم يقول النبي صلى الله عليه وسلم، في تتمة هذا الحديث مبينًا نوع الصيام الذي يستحق أن ينسب إلى الله، وأن يكون جزاؤه غير محدود عند الله سبحانه، فقال: "الصيام جُنَّة".
والجُنَّة هي الدِّرع والتِّرس، الذي يستتر به الإنسان في الحروب، حتى لا تتناوشه السهام والنبال، فهو يقى صدره، ويحفظ نفسه بهذه الجُنَّة. كذلك الصيام، كما جاء في الحديث: "الصيام جُنَّة أحدكم من النار كجنة أحدكم من القتال"، وفي حديث آخر: "الصيام جُنَّة، وحصن حصين من النار".
فهو درع يقي صاحبه من الإثم والمعاصى في الدنيا، ويقيه من النار في الآخرة وهذا ... ما لم يخرق هذه الجُنَّة ... كما جاء في الحديث: "والصوم جُنَّة ما لم يخرقها"، وفي رواية: "الصيام جُّنَّة لأحدكم، ما لم يخرقها". قالوا: وبم يخرقها، يا رسول الله؟ قال: "بكذب أو غيبة".
يخرق هذه الدرع بالغيبة، بالكذب، بالمعاصي التى تخدش الصيام، وتجرحه وتزيل آثاره ...
فلا يؤدي إلى التقوى، التي هي ثمرة الصيام، ورتَّبها الله عليه في كتابه حيث يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183].
أيها الصائم ادفع بالتي هي أحسن
ثم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفُث ولا يصخَب".
أي عليه أن يحفظ صيامه من الرَّفث، وهو الكلام في الأمور الجنسية، وكل كلام قبيح.
"ولا يصخب": أي لا يصيح، ولا يرفع صوته على الناس! ليضبط أعصابه، ليملك أمر نفسه، ولا يجعل صومه شجارًا، ويجعل يومه قتالاً مع الناس.
لا ... فإنما جعل الصوم لتربية الإرادة، وتهذيب الأنفس.
"فإن سابَّه أحد أو قاتله، فليقل: إني صائم ... إني صائم": أي لا ينبغي أن يقابل السيئة بالسيئة، وإنما يقابل السيئة بالحسنة، {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:34،35].
وإذا كان هذا في شأن الناس جميعًا، فهو في شأن الصائم أجدر وأولى ...
من هنا علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقول إذا دافعنا إنسان، أو شاتمنا ونحن صائمون ... ألا نرد عليه الشتيمة بمثلها، وأن نقول هذا القول: اللهم إني صائم... وليكرِّرها مرتين إن شاء.
هل يقولها بلسانه أم يقولها بقلبه؟ أم يقولها بلسانه وقلبه معًا؟ هذا هو الأولى: أن يقولها بقلبه ولسانه.
يقول ذلك لنفسه، يخاطبها، ويخاطب صاحبه أيضًا، فيكفُّ بذلك خصمه، ويكفُّ بذلك نفسه عن الاستجابة لداعي الغضب، وإلى غريزة المقاتلة، التي تجعل من الإنسان سبعًا ووحشا مفترسًا.
ولا يليق بالصائم أن يتشاجر، وأن يتقاتل، وأن يستجيب للغضب والشهوة.
هذا هو الصائم الذي يقبله الله، والذي حلف النبي صلى الله عليه وسلم: أن خُلوفه "أطيب عند الله من ريح المسك".
وخلوفه.. هي رائحة فمه المتغيرة من ترك الطعام والشراب طول النهار، هذه الرائحة التي قد يَنفِر منها بعض الناس، هي أطيب عند الله من ريح المسك.
للصائم فرحتان
ثم ختم النبي صلى الله عليه وسلم الحديث، بهذه البشارة للصائم: بالفرحتين اللتين جعلهما الله للصائم يفرحهما: فرحة الدنيا، وفرحة في الآخرة. فأما الدنيا فهو "إذا أفطر فرح بفطره": أي فرح بأنه عادت إليه الحرية في الأكل والشرب والتمتع بطيبات الحياة الدنيا، فيزول جوعه وعطشه، ويفرح أيضا بأن الله وفَّقه لإتمام صوم يوم من الفريضة المفروضة عليه، فهو فرح طبيعي، وهو فرح ديني أيضا.
ثم تبقى الفرحة الكبرى يوم القيامة، حيث يفرح إذا لقي ربه بصومه، إذا جازاه الله، الذي يقول: "الصوم لي وأنا أجزي به". إذا نادته الملائكة فيمن تنادي: كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية. إذا فُتح له باب الريّان ... الذي لا يدخل الجنة منه إلا الصائمون فإذا دخلوا أغلق ... ولم يدخل منه أحد بعدهم.