بسم الله الرحمن الرحيم
تابع مع حديث جديد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ..
قال الإمامان البخاري ومسلم – رحمهما الله تعالى – عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ).
تأليف :عبد المحسن بن حمد العباد البدر
1- معنى أجود الناس: أكثر الناس جودا فرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بكل ما تحتمله هذه الكلمة من معنى، جاد بنفسه في سبيل الله فكسرت رباعيته وشج وجهه، وجاد بجاهه، وجاد بما أعطاه الله من المال، وجاد بالدلالة والإرشاد إلى كل ما ينفع العباد في الحال والمآل وتحذيرهم من كل ضار نص الحاضر والمستقبل.
2- قوله: وكان أجود ما يكون في رمضان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة كونه في رمضان أجود منه في غيره.
3- قوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس: في هذه الجملة احتراس بليغ لئلا يتخيل من قوله: وكان أجود ما يكون في رمضان، أن الأجودية خاصة منه برمضان فأثبت له الأجودية المطلقة أولا، ثم عطف عليها زيادة ذلك في رمضان.
4- الحكمة في زيادة جوده صلى الله عليه وسلم في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن: أن مدارسة القرآن تجدد له العهد بمزيد غنى النفس، والقرآن خلقه صلى الله عليه وسلم كما قالت عائشة رضي الله عنها يأتمر بأوامره وينتهي عن نواهيه، وأيضاً فرمضان موسم الخيرات وزيادة الجود والكرم وقد وصفه الله بأنه الذي أنزل فيه القرآن، فبمجموع ما ذكر من الوقت الفاضل وهو رمضان والمنزول به وهو القرآن والنازل به وهو جبريل ومدارسته معه حصل المزيد في الجود والله أعلم.
5- قوله: فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة، هذه هي نتيجة مدارسة القرآن والمراد بالريح المرسلة ريح الرحمة التي يرسلها الله لإنزال الغيث العام كما قال الله تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} الآية. وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابا} الآية.
6- وصفت الريح المفضل عليها جوده بالمرسلة لأمرين: الأول إشارة إلى عموم النفع بجوده صلى الله عليه وسلم كما تعم الريح المرسلة بل هو أعم وأشمل منها، والثاني احتراسا من الريح العقيم الضارة.
7- قوله: فيدارسه القرآن، لفظ المدارسة يفيد حصولها من الجانبين وحديث ابن عباس عند البخاري في كتاب فضائل القرآن يفيد حصولها من جانب النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في قوله فيه- يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، ويدل لحصولها من جانب جبريل حديث أبى هريرة رضي الله عنه الذي أورده البخاري في كتاب فضائل القرآن عقب حديث ابن عباس حيث قال رضي الله عنه: كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف في كل عام عشرا فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه.
8- هذا الحديث أورده البخاري في بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في وجه المناسبة: وفيه إشارة إلى أن ابتداء نزول القرآن كان في شهر رمضان لأن نزوله إلى السماء جملة واحدة كان في رمضان كما ثبت من حديث ابن عباس فكان جبريل يتعاهده في كل سنة فيعارضه بما نزل عليه من رمضان إلى رمضان فلما كان العام الذي توفي فيه عارضه به مرتين كما ثبت في الصحيح عن فاطمة رضي الله عنها وبهذا يجاب من سأل عن مناسبة إيراد هذا الحديث في هذا الباب والله أعلم بالصواب.
لي عوده غداً مع حديث آخر بإذن الله ~